الطائر الأبيض في مهمة مستحيلة: كيف أنقذ المسيطر الجوي طيار الاختبار الصيني؟
بقلم مالك عبد القادر المهداوي.
في سباق مع الزمن وتحت ظروف استثنائية، خاض الطائر الأبيض واحدة من أخطر مهامه لإنقاذ طيار الاختبار الصيني. عندما تعرّض طيار الاختبار الى حالة التوهان، وأصبح الطيار في خطر داهم، وهنا برز دور المسيطر الجوي، الذي تولى مهمة إرشاده لتفادي الكارثة.
كيف تمكّن المسيطر الجوي من اتخاذ القرارات الحاسمة في اللحظات الحرجة؟ وكيف لعب الطائر الأبيض دور البطولة في هذه المهمة المستحيلة؟ اكتشف التفاصيل المشوقة حول عملية الإنقاذ البطولية التي حبست أنفاس الجميع، وتعرّف على أسرار التحكم الجوي التي أنقذت الطيار من مصير مجهول. 🚀✨.
![]() |
الطائر الأبيض في مهمة مستحيلة: كيف أنقذ المسيطر الجوي طيار
الاختبار الصيني؟
|
في عالم الطيران، لا تقتصر التحديات على قيادة الطائرة فقط، بل تمتد إلى السيطرة الجوية، حيث تتحكم الأبراج في مصير الطائرات في السماء. هذه القصة تسلط الضوء على حادثة فريدة بطلها المسيطر الجوي، ودور فريق السيطرة الجوية العراقي في إنقاذه الطيار الصيني الذي فقد طريقه في سماء بغداد.
التواصل في العالم الواسع
في هذا العالم الواسع، تتعدد وسائل التواصل بين البشر، فمنها الحديث، الإشارات، الإيماءات، وتعابير الوجه. لكن حتى الحيوانات تمتلك لغاتها الخاصة، مثل النحل الذي يرقص لتحديد موقع الغذاء، والفيلة التي تتواصل عبر أصوات لا يدركها الإنسان، وكذلك الحيتان والقرود التي تعبر عن مشاعرها بحركات وتعبيرات خاصة.
إلا أن الإنسان يختلف بفضل امتلاكه لغة محكية ومكتوبة، ومع وجود أكثر من 900 لغة متداولة حول العالم، أصبح من الضروري استخدام لغة عالمية مشتركة. لذا، اعتمدت اللغة الإنجليزية كلغة الطيران العالمية لتسهيل التواصل بين الطيارين والمراقبين الجويين من مختلف الجنسيات.
تحديات المسيطر الجوي في التواصل مع الطيارين الأجانب
يوميات المسيطر الجوي مليئة بالتحديات، حيث يتعامل مع طيارين محليين وأجانب، بمن فيهم مدربون وخبراء من روسيا، فرنسا، الهند، باكستان، بنغلاديش، الصين، ومصر والأردن. ومن أبرز المواقف التي واجهها المسيطرون الجويون في العراق كان التعامل مع الطيارين الصينيين الذين قدموا ضمن اتفاقيات تسليح وتدريب.
ومن التحديات التي كان المسيطرون الجويون يعانون منها خلال عملهم هو أسلوب التحدث باللغة الإنجليزية من قبل المدربين الأجانب. فبعض المدربين لم يكونوا يجيدون التحدث بوضوح، مما جعل فهم التوجيهات أمرًا صعبًا، خاصة في الحالات الطارئة التي تتطلب استجابة سريعة ودقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، كان بعض المدربين يستخدمون لهجات مختلفة أو مصطلحات غير مألوفة، مما أدى إلى حدوث التباس في الاتصال بين الطيارين والمسيطرين الجويين. هذا التحدي دفع المسيطرين إلى تطوير مهاراتهم اللغوية والاستعانة بالخبرات المحلية لتجاوز العوائق وضمان دقة العمليات الجوية وسلامتها.
العلاقات العراقية-الصينية وصفقة مقاتلات F-7
في إطار تعزيز العلاقات العراقية-الصينية، تعاقد العراق على شراء مقاتلات F-7، وهي النسخة الصينية من الميغ-21، رغم أنها أقل كفاءة من نظيرتها السوفيتية ولا ترقى حتى لمستوى الجيل الأول من MiG-21 F-13. لم يكن القرار عسكريًا بحتًا، بل جاء لدعم العلاقات الثنائية مع الصين وتأمين احتياجات إستراتيجية للعراق.
استخدمت F-7 في تدريب الطيارين الجدد، خصوصًا في الطيران المنفرد Solo، كما تم تشغيلها في عمليات إسناد أرضي محدودة. إلى جانب ذلك، حصل العراق على 4 قاذفات B-6D/H6، وهي النسخة الصينية من القاذفة TU-16، والمجهزة بصواريخ مضادة للسفن، حيث تم استخدامها ضد ناقلات النفط الإيرانية ومنصات التحميل في جزيرة خرج.
بدأ تجميع الطائرات في قاعدة سعد الجوية H2 بواسطة فريق صيني، وخضعت لفحص دقيق من قبل طيارين صينيين قبل تسليمها للعراق. لاحقًا، تم نقل المشروع إلى معمل تصليح الطائرات في قاعدة الرشيد الجوية، حيث تم تنسيق طلعات جوية تجريبية بين طيارين عراقيين وصينيين لضمان كفاءة الطائرات قبل دخولها الخدمة الفعلية.
وتم التنسيق مع جناح طيران قاعدة الرشيد لكي يقوم أحد الطيارين العراقيين بالطيران مع طيار الاختبار الصيني بتشكيل لغرض أراءة المنطقة مع الطيار الصيني.
الإقلاع في طلعة تدريبية مع الطيار الصيني
قام تشكيل من طيار عراقي وطيار صيني بالإقلاع من قاعدة الرشيد الجوية في العاصمة بغداد، لكي يتعرف الطيار الصيني على المنطقة. وكان الوقت قريب الى نهاية الدوام الرسمي، حيث كنا في كراج السيارات خارج بناية السيطرة بأنتظار النزول الى البيت.
وبعد أن تم إكمال الواجب وعودة التشكيل الى القاعدة هبط قائد التشكيل على ارض المطار على أمل أن يهبط الطيار الصيني بعده مباشرة. ولكن الذي حصل قام الطيار الصيني بدفع محرك الطائره الى الامام وزيادة سرعتها وعمل دورة ثانية (Overshot). لربما لم يكن بالوضعية الصحيحة للنزول وهذا أمر عادي جداً.
ولكن الذي حصل أن الطيار الصيني فقد الاتصال البصري بالمطار، وأصيب بالرهبة وهو أول مرة يطير في مطار العاصمة. وحسب ما روى لي أحد الطيارين أن الطيران في مطار الرشيد إن لم تكن لك معرفه سابقه بالمعالم. سوف تتوهم بسبب معالم مدينة بغداد والاحياء المحيطة بالمطار، لانها تكاد تكون متشابهه. فما بال طيار غريب عنها وعن البلد هذه المسألة المهمة التي لم يأخذها الطيار العراقي بالحسبان، وثقته بأن الطيار الصيني خلفه سوف يهبط في المطار.
فقدان سيطرة الطيار والارتباك في الجو
أصيب قائد الطائرة الصيني بالرهبة وتراكمت الاخطاء، فأصيب بالتوهان واستمر باستقامة الى الامام بالاتجاه جنوب غرب المطار، والى الامام هنا وفي لحظات الترقب من قبل مسيطر البرج أياد عبد الحميد (وهو ضابط خفر هذا اليوم ). وعلى العموم أن الطائرة وفي سرعة 700كم /ساعة تقطع مسافة من 11/10 كم بالدقيقة تقريباً لقد تأخر الوقت والشك بدأ يراود ويدور حول موقع الطائره.
هنا قام ملازم أول أياد بالنداء على الضباط المسيطرين المتواجدين في كراج السيطرة الجوية منتظرين نهاية الدوام لدقائق معدوده. طلب من أحدهم التوجه الى غرفة الرادار، لان هناك حالة اضطرارية حسب ما كان يتوقع. ذهب النقيب المسيطر شهاب أحمد تركي مهرولاً الى غرفة الرادار، ولحق به الخبراء الصينين والمهندسين العراقيين. حدد نقيب شهاب موقع الطائرة وقد كان موقعها الى جنوب غرب المطار بمسافة 120 كم تقريباً.
لقد بدأ الموقف فيه درجة من الخطوره، لقد فقد الطيار الصيني زمام الامور وهو في حيرة من امره، لا معين حتى أنه فقد مفردات الطيران الانكليزيه التي يعرفها. بدأ النداء باللغة الصينيه حينها اتصل به النقيب شهاب وأعطاه أتجاه فلم يستجب، وكان جوابه بالصينيه. هنا التفت شهاب الى المهندسين العراقيين وهم كانوا برتب عسكرية كبيره؟ هل يعرف احدكم اللغة الصينية ؟ فكان جوابهم لا نعرف.
استعادة السيطرة وتوجيه الطائرة بأمان
توجه نقيب شهاب نحو الخبير الصيني والذي أصبح لايعرف ماذا يفعل" وكأن الطير فوق رأسه " ولا يعلم ما الذي يجري وما الذي يحصل. الوقت يمر سريعاً جذب الخبير الصيني اليه وتكلم معه بالانكليزيه فقال له تكلم مع الطيار بواسطة الجهاز... وقل له أن يأخذ أتجاه 090 فلم يفهم.
فقام نقيب شهاب بالاشارة الى ساعة اليد وعلى تجاه رقم الساعة الثالثة، حينها فهم ان الاتجاه 090 وقام بالاتصال بصاحبه عندها بدأ الهدف بالدوران بهذا الاتجاه. ووضحت المعالم واستمر بتقديم التوجيهات وانا اشير له على ساعتي باعتبارها البوصله, والخبير الصيني يقوم بالاتصال وفقا لما أقوله.
أتصلت ببرج المراقبة لغرض أن يكون المدرج جاهز لاستقبال الطائرة فأجابني م أول مسيطر أياد أن المدرج جاهز. هنا بدأت الدماء تعود على وجه الخبير الصيني وهو يراني واثق في قراري، وهو استمد مني القوة والهدوء، بعد أن كان في حالة يرثى لها.
اتخاذ القرار الحاسم وإنقاذ الطيار والطائرة
وبعد لحظات اتصل الطيار الصيني وابلغني الخبير ان الطيار يريد ان يقذف! وانا اسمع الاتصال والطيار خائف جداً ويبكي من الرهبة. قلت: للخبير اساله كم يكفي وقود طائرته للبقاء في الجو. فسأله: فقال وقودي يكفي لمسافة 120 كم تقريباً. قلت له: لا يقذف لان مسافة الطائره هي 70 كم ووقوده كافي للوصول الى القاعده. وانا لست بصادق وفي الحقيقه هو بمسافة 95 كم .
ولكن هنالك استحضار المعلومات التي في بالي وخطر لي أن هناك برقية قبل ايام! وصلت من الاستخبارات العسكرية أن هناك تهديد معادي من الكيان الصهيوني لتكرار ضرب المفاعل النووي العراقي لمرة ثانيه. وخفت أن يقذف الطيار الصيني وهو بمسافه بعيده. قد يتعرض للخطر ويعتقد الناس أنه من الاعداء بسبب الشكل وعدم معرفته اللغة العربية. وكلما كان أقرب الى المطار كانت عملية إنقاذه اسهل وأقل وقت .
في هذه اللحظات والثواني والدقائق لو قررت جلب الطائرة وإنزالها بصوره مباشره في قاعدة الرشيد على المدرج 33 فيجب علي أن أجنيها من القصر الجمهوري والمفاعل النووي. لذلك يجب علي أجراء مناورات وهذا يجعل فرصة الوصول للمطار ضئيلة.
قرار تغيير وجهة الطائرة إلى مطار الصويرة
لذلك قررت توجيه الطائرة باتجاه مطار الصويره والذي هو مطار ثانوي تابع لقاعدة الرشيد، وأبعادها عن منطقة الرمي الحر ومنطقة حظر الطيران. وكان مطار الصويره هو الأقرب وفرصة سلامة الطائرة والطيار عاليه. لذلك أتصلت بمطار الصويرة الثانوي وكان م أول مسيطر عقيل خضير هو في الجانب الاخر.
قلت له عقيل سوف أقوم بإنزال طائرة في حالة اضطرارية ووقودها قليل والطيار هو صيني بأتجاه 14 المعاكس للمدرج المستخدم. لذلك عليك إنزال شبكة إيقاف الطائرات فأجاب: نعم. وعدت وأبلغت الحركات وحركات قاطع الدفاع الجوي وأمر جناح الطيران العقيد الطيارالركن عدنان دحام. وهو ينتظر في مقره وبلغتهم بقراري ولم يكن هناك اعتراض لاني صاحب القرار الاول والاخير.
لقد مرت الثواني والدقائق ببطء والطائرة تسير بالاتجاه الصحيح، وكررت اتصالي بمطار الصويره وأكدت على إنزال الشبكة وأكد لي م اول عقيل ان المطار جاهز والشبكة تم انزالها. بدأت الطائرة تقترب الى مسافة 30 كم وقمت باعطائها الانحدار الى ارتفاع 500 متر مع الضغط الجوي.
وانا اراقب حركتها قمت بتكبير مسافة شاشة الرادار ورسمت بواسطة قلم الجاينه كراف امتداد التقرب وحددت المسافات كل واحد كم (sarvlince radar). وصلت الطائره الى مسافة 20 كم، قمت باعطاء دوران باتجاه 120ْ واستقرت الطائره على هذا الاتجاه. قررت تأخير أمر أنزال العجلات والقلابات لغرض الاقتصاد بالوقود.
الهبوط الطارئ ونجاح المهمة
وتواصل تقدم الطائره الى مسافة 15 كم عن بداية المدرج واتجاه الطائره صحيح لايحتاج الى تصليح وفي مسافة 12كم امرت الطيار انزال عجلات الطائره فقام بانزالها. وبدأت السرعة تقل تدريجياً ولكن الطيار الصيني طلب القذف لان مؤشرات التحذير بدات بالاشتعال على نفاذ الوقود.
فكان جوابي انت تتقرب للمطار واصبح المطار قريباً جداً وفي 10كم قمت باعطاء الانحدار بعدل انحدار 3 درجات واعطيه المسافة والارتفاع حتى وصل الى 1كم . وبدأ المطار مشاهد له وقام بملامسة المدرج وفتح مظلة ايقاف الطائره وهنا أنطفأت الطائره وهي تسير على المدرج.
أبلغنا م اول عقيل بذلك عندها قفز الصينين والعراقيين من مكانهم الى الهواء فرحاً ونشوة وابتهاجاً بنجاة الطيار والطائره وقام الصينين بحملي على الاكتاف والرقص. وانا غير مصدق ماذا يجري! أنتهت المهمة بسلام.
تم أخبار المراجع ومن ضمنهم أمر جناح الطيران. الذي كان جالس على نار وهو يترقب الموقف، وعندما أعلمته أن الطيار يريد أن يقذف قال هو القرار قراره لست أنا المسؤول. مما جعلني أنا صاحب القرار وتبين لي أن الطيار الصيني هو رئيس الخبراء الصينين.
مفاجأة في نهاية المطاف
في اليوم التالي وصل كتاب شكر من الصينين موجهاً الى قيادة القوة الجوية العراقية، ولكن تم التحفظ عليه من قبل القاعده ظناً منهم أن أمر الجناح سوف يلام على تركه الطيار الصيني والنزول قبله. ولكن هو ليس ذنبه لذلك حرمنا من التكريم من قبل القيادة باجتهاد شخصي، لذلك اقتصر كتاب الشكر من مقر جناح الطيران وكتاب شكر مباشر من قبل الخبراء الصينين، وهدايا كثيره وبسيطه مكتوب عليها أسمائنا:ـ
- المقدم المسيطر صباح صابر
- النقيب المسيطر شهاب احمد تركي
- الملازم الاول المسيطر أياد عبد الحميد
أن أجمل هدية حصلت عليها هو لقب أطلقه الخبراء الصينين هو {الطائر الابيض}. وأصبح الخبراء يتأكدون من أنني موجود، ويسألون كابتن هل أنت موجود فيكون جوابي نعم، فيقومون بالاشارة بعلامة OK.
ضابط الأمن في موقف غريب
بعد أن نقلت الى قاعدة القادسية عين الاسد حالياً، نقل المشروع الصيني الى القادسية وكانوا حين يلتقون معي في البهو ومطعم الضباط او في القاعة الرياضيه. كانوا يلتفون حولي ويسلمون علي مما جذب انتباه ضابط الامن الى ذلك فلم يتحمل الموقف وهم بجانبي.
فقال سيادة النقيب شهاب الا تعرف ان هناك للدواعي الأمنية عدم الاختلاط مع الخبراء الاجانب. وهو جزء من التحوطات الامنية فاجبته لست انا من اتقرب لهم، ولكن هم الذين يتقربون لي "ويتصف نقيب شهاب بروح الدعابه والحميميه".
فقلت لضباط الامن اسالهم ماذا يطلقون علي من تسميه؟ فتوجه الى الصينين وسألهم ماذا تطلقون على نقيب شهاب. فأجابوه: إنه الطائر الابيض فقال لهم: لماذا تطلقون عليه هذا الاسم؟ قالوا نطلق عليه هذا الاسم لانه انقذ طيار صيني وطائرة من موت محقق.
ولذلك نحن نحترم كفاءته ونحترم إمكانياته هنا قال ضابط الامن وانا أيضا افتخر بك يا نقيب شهاب كما هم يفتخرون بك، وانا آسف مما بدر مني وأنا يكفيني فخراً أن يكون زميلي وأخي شهاب هو أقرب الناس لي . شكري وتقديري لزميلي العميد المسيطر شهاب احمد تركي بتزويدي بالمعلومات
الخاتمة: كانت هذه الحادثة واحدة من أصعب المواقف التي مر بها الطيارون والمسيطرون الجويون العراقيون، حيث جمعت بين التوتر والضغط الزمني واتخاذ القرارات المصيرية في لحظات حرجة. بفضل الحكمة والخبرة، تمكن الطاقم من إعادة الطائرة والطيار إلى بر الأمان، رغم فقدان الطيار الصيني للسيطرة وذعره الشديد.
هذه التجربة أكدت أهمية الخبرة والمعرفة المسبقة بالمجال الجوي، كما سلطت الضوء على تحديات التواصل اللغوي بين الطواقم المختلفة. في النهاية، نجحت الجهود المشتركة في إنقاذ الطيار والطائرة، مما يعكس كفاءة المسيطرين العراقيين ومهارتهم العالية في التعامل مع الأزمات.