recent
أخبار ساخنة

قصة طيار عراقي شجاع في ليلة الإقلاع الفوري بطائرة Mig 23ML – يناير 1991

قصة طيار عراقي شجاع في ليلة الإقلاع الفوري بطائرة Mig 23ML – يناير 1991

بقلم: العميد الطيار الركن فيصل طه. 

لحظة فارقة في تاريخ الطيران العسكري في ليلة عاصفة من شهر يناير عام 1991، خُلِّدت قصة طيار عراقي شجاع نفَّذ إقلاعًا فوريًا بطائرته Mig 23ML وسط ظروف غاية في الخطورة. كانت الأجواء مشحونة بالتوتر مع اقتراب حرب الخليج الثانية من ذروتها، وبينما كان العالم يترقب الأحداث، كان هذا الطيار يكتب فصلاً جديدًا من البطولة في سماء المعركة.

قصة طيار عراقي شجاع في ليلة الإقلاع الفوري بطائرة Mig 23ML – يناير 1991
قصة طيار عراقي شجاع في ليلة الإقلاع الفوري بطائرة Mig 23ML – يناير 1991

كانت هذه اللحظة لحظة فارقة في سماء الحرب، حيث تجلت البسالة والمهارة في وجه التحديات الخطيرة. كان العالم يشهد لحظة توتر، حيث كانت الحرب الخليجية تتجه نحو ذروتها. وسط هذا السياق المشحون بالتوتر، كلف الطيار العراقي الشجاع الذي قاد  طائرته Mig 23ML أن يكتب قصة لا تُنسى في سماء تلك الليلة الباردة.

تحمل الطيار عبء المسؤولية، حيث كانت مهمته إنفاذ إقلاع فوري، تحت ظروف جوية صعبة وتهديدات عسكرية محتملة. كانت هذه المهمة تتطلب تحكمًا دقيقًا وشجاعة فائقة، وكان الطيار على استعداد لمواجهة التحديات القاسية التي تنتظره في سماء تلك الليلة المظلمة. 

في هذا اللحظة الفارقة، تجلت براعة الطيار وشجاعته، حيث قاد طائرته ببراعة خارقة وقام بإنجاز إقلاع فوري بشكل مذهل. كانت الطائرة تتحلق في سماء الليل كالصقر المجنح، مقدمة للعالم درسًا في الإرادة والإخلاص لحماية الوطن. تلك القصة تعتبر لحظة محورية في تاريخ الطيران العسكري، حيث انبثقت شخصية الطيار الشجاع كرمز للبسالة والإبداع في وجه التحديات. 

ومع أن هذه القصة ربما لم تكن الوحيدة في تلك الليلة الحاسمة، إلا أنها تظل تجسيدًا لروح البطولة والتفاني التي ميزت تلك الفترة التاريخية.

البداية: التحضير لمهمة مستحيلة

حديث الطيار العراقي البطل وهو يروي قصته : في صباح يوم 16 يناير كانت الاعمال في السرب 73 المجهز بطائرات ميك 23 أم أل القتالية يمارس نشاطاته التدريبية بشكل روتيني لحين نهاية الدوام الرسمي وعند تلك الليلة كان منهج الطيران الليلي التدريبي قد نفذ بشكل كامل . كان السرب 73 يتمركز في قاعدة سعد الجوية H2 غرب العراق. 

بعد نهاية الطيران الليلي كنا مجموعه من الضباط متواجدين في غرفه حركات قاعدة سعد الجويه (امر القاعده وامر جناح الطيران وضابط الامن والمسؤل الحزبي وبعض امري الوحدات) كان النقاش يدور الى ما ستؤل اليه امور بلدنا بعد دخول الجيش العراقي الى الكويت. تهديد دول التحالف بما فيهم الجيوش العربيه. كان مصدر الاخبار العالمي الرئيس هي أذاعة مونتكارلو ولندن نسقطت أخبارها.

اصبح الوقت متأخرا فأستاذنت منهم: فقلت اني سأذهب للمبيت في ملجا طائرات الاستعداد المسلحه (ميك 23ML) لأني كنت متوقعاً ومعتقداً بحدوث الضربه الجويه الشاملة علينا من قبل دول التحالف هذه الليله والتي سميت(Desert Storm) عاصفة الصحراء. ذهبت الى ملجأ الطائرات المسلحه وكان بالواجب في تلك الليلة كل من الرائد الطيار شاكر ريحان والنقيب الطيار حسن فليح والملازم الاول الطيار محسن مكي والملازم الاول الطيار رحيم.

ابلغت رائد شاكر رحمه الله بالذهاب الى منام الضباط الطيارين في الملجا الحربي القريب من مقر السرب  وانا سوف أكون بديله بالواجب.  في بداية الأمر رفض الرائد الطيار شاكر ريحان وقال سيدي اليوم واجبي . قمت بإقناعه أن يترك ملجأ الأستعداد ويذهب للنوم في ملجأ استراحة أفراد السرب هناك.

لحظة الصفر: تنفيذ الإقلاع الفوري

عند الساعة 2:15 بعد منتصف الليل ونحن في غمرة أحاديث مختلفة.، رنَّ هاتف الإقلاع الفوري، رفعت سماعة الهاتف ... فأجبت نعم... وكان المتصل العميد الطيار الركن عامر صبري، رئيس أركان قاطع الدفاع الجوي الثاني.... 

قال منو ... قلت رائد فيصل... تفضل سيدي خير أن شاء الله.  

قال له بصوت حازم: "فيصل، انتبه! هناك نشاط معادٍ مكثف على الحدود الغربية والجنوبية. اجلس في المقصورة واستعد للإقلاع.". 

بلغ أحد الطياريين للأقلاع من بعدك... انتهت المكالمة مع العميد الطيار الركن عامر صبري...  

بلغت النقيب الطيار حسن فليح بالآمر  بأن يكون رقم 2 من بعدي عند الحاجة.

لم تمر سوى لحظات حتى رن الهاتف مرة أخرى، لكن هذه المرة كان الأمر أكثر إلحاحًا:

"طائرة واحدة، إقلاع فوري!"

ركض الطيار فيصل نحو الطائرة  استعداد رقم (1)، حيث كان الطاقم الفني مستعدًا لتنفيذ الأوامر بكل دقة واحترافية. ارتدى بدلة الضغط  G -sot بسرعة، ودون أن يُكمل ارتداءها بالكامل، توجه نحو الطائرة. 

في مواجهة الأسراب المعادية

ساعة الصفر والاعلان  عن بدأ حرب الخليج الثانية بهجوم جوي مكثف من قبل قوات التحالف الدولي. كان هذا الهجوم بمثابة نقطة تحول في الحرب.

التشغيل وتنفيذ أمر الاقلاع الفوري.: اكتمل التشغيل والدرج والاقلاع بحدود دقيقتين ... انطلق إلى السماء متحديًا الظلام والمجهول. 

تم الاتصال بالقاطع ورادار الطائره لم يجهز بعد... وانا لم أكن اتوقع ان يكون هنالك اتصال لاسلكي مع سيطرة المقاتلات في القاطع.

بعد الإقلاع مباشرة، تلقى الطيار فيصل أوامر بالاتجاه نحو الجنوب 180 وتسلق الى +2  اي على ارتفاع 3 كم بسرعة قتالية. وما هي إلا دقائق حتى بدأت الأهداف المعادية تظهر على الرادار. 

ناديت سيطرة القاطع: فأجابني بوجود اربعة  اهداف معاديه بارتفاع واطي باتجاه قاعدة سعد الجويه (قاعدة اقلاعي). 

بعد عبور شارع الخط السريع (بغداد-اردن). ناداني المسيطر بأن الاهداف المعاديه اصبحت 8  اصبحت 12 اصبحت16 اصبحت 20.اعدت الاتصال لمعرفه ما يدور فلم يجبني.

توقف الاتصال اللاسلكي مع القيادة، وبات الطيار العراقي وحيدًا في مواجهة هذه الأسراب الجوية التي تضم طائرات متعددة. ومع تعرضه لإغلاق راداري معادٍ، لم يكن أمامه سوى الطيران على ارتفاع منخفض بسرعة عالية لتجنب لقفل المعادي.

وعند فتح شاشة الرادار ظهرت اهداف معاديه كثيره جدا...  وبدا القفل المعادي على طائرتي وظهر عندي على شاسه التحذير الراداريه من قبل طائرات F16-15-14-18.استمريت بالمناداه فلم يجبني احد. 

قمت بالانحدار الى ارتفاع 100وبسرعه قتاليه. وبدأت اشاهد اشتعال النيران من قاعدة سعد والوليد. في حين شاهدت انفجار في سماء القاعدة أحال ظلمة الليل الى نهار من شدته.

الاشتباك مع طائرات التورنادو

وفجأة وسط أجواء التوتر والضغط، جاءني صوت عبر اللاسلكي:

"فيصل، هناك طائرتان تورنادو معاديتان، ضربت قاعدة سعد سأتولى توجيهك إليهما!"

قلت نعم... دون تردد، بدأ فيصل بمناورة تكتيكية  خلف الاهداف المعاديه، أسقط خزان الوقود الإضافي ليخفف وزن الطائرة، والتهيؤ للاطلاق تم كشف الاهداف في شاشة الرادار وبأحجام كبيره في اسفل الشاشه  وبمسافة 25 كم خلفي.

قمت بزياده السرعه ومراجعة جميع سويچات اطلاق الصواريخ... والمسيطر يصيح يله اخوي .

تم التقرب من الاهداف المعاديه الى مسافة 10 كم ومستمر بالتقرب عن طريق الكشف فقط ولم اتمكن من القفل نتيجه التشويش من حاويات التشويش المحموله بالطائرات المعاديه ولم تكن في طائرتي منظومه مكافحه التشويش المعادي ولم يبقى لدي الا الصواريخ الR60 الحراريه قصيرة المدى .

وفجأت شاهدت نيرانًا قويه تتصاعد من الأرض امامي تبين اصطدام احدى طائرتي التورنادو بالارض. وتم اسر الطيارين تبين بعد فيما انهم من الجنسيه الايطاليه هذا ما اخبرني به آمر الكتيبه التي اسرتهم.

التحدي الأكبر: العودة إلى القاعدة وسط القصف الصديق

ولقلة الوقود والمسافه اصبحت بعيده عن القاعده الام  واعتقد داخل الاراضي السعوديه، تم الدوران الى الاراضي العراقيه وطلب العوده ومكان النزول. بعد ان اخذ العرق الشديد والتعب مني مأخذه. اخبرني القاطع بالنزول في قاعدة سعد الجويه.لذلك طلبت تقييد الاسلحه الصديقه: 

قال انتظرني .بعدها اجابني لا يمكن تقييد الاسلحه وما عندي امر بذلك.

قلت ساتقرب للقاعده حسب الاتفاق بأنزال العجلات وفتح اضويه النزول. عندها سيعرف المقاتل على اسلحة الدفاع الجوي حول القاعده بأن هذه طائره صديقه.

وعند وصولي الى مرحلة التقرب النهائي للقاعده؟ بدأ الرمي بأتجاهي فأضطررت الى الخروج من دائرة المطار عملت تقرب اخر وبدون فتح اضويه المدرج. بقيت في حيره من امري الرمي الصديق مستمر على ولا توجد اناره للمدرج. والوقود اصبح شحيحاً ولا يكفي سوى دوره واحده. 

وليس لدي فرصه اخرى فبدأت بالصياح على من يسمعني .تبين قد سمعني احد المسيطرين بالقاعده وهو النقيب حسن وقفز وصعد الى برج السيطره وفتح الاناره. 

ونزلت رغم الرمي بأتجاهي وعلى المدرج احسست كأني نازل على ارض محروثه تبين ان المدرج مليئ بالقنابر العنقوديه وانا نزلت فوقها ولم تنفجر.ليش ما ادري. اوقفوني الفنيين بعيدا عن الملجأ الذي اقلعت منه تبين قصف نفس الملجا واصبح حفرة كبيره .سألت هل احد الطيارين اقلع بعدي قالوا سيدي نقيب حسن اقلع بعدك.

دموع الطيار: ذكرى ليلة النجاة والفقدان

في مثل هذا اليوم من كل عام، أجلس وحدي مسترجعًا تلك اللحظات العصيبة التي عشتها، فأجد نفسي أجهش بالبكاء، شاكرًا الله على نجاتي. خلال تلك المعركة، توقفت طائرات الميغ-23 عن الاستخدام بسبب الفارق الكبير بين جيلها وقدرات طائرات العدو المتطورة. في تلك الليلة، فقدنا رفيقي حسن فليح، ولا يزال ذكراه حاضرة في وجداني.

أتذكر جيدًا ذلك اليوم عندما نقلنا طائراتنا من قاعدة سعد إلى قاعدة البكر. بعد المهمة، استعرت سيارة ابن عمي لأزور عائلتي، فاصطحبت زوجتي من منزل أهلها وتوجهت إلى بيت والديّ. هناك، دخلت غرفة والدتي، وألقيت بجسدي على سريرها. 

لم تمضِ لحظات حتى جاءت ووضعت رأسي بين اترابها ويديها أحاطت رأسي بحنان، فانهرت بالبكاء. نظرت إليّ بقلق وسألتني: "ما بك يا ولدي؟" فأجبتها: "لقد وُلدتُ من جديد." لم تكن تدري تفاصيل عملي، لكنها كانت تعلم فقط أني طيار. حينها، تذكرت كلمات صديقي: 

"آه، كم أشتاق لأدفن رأسي بحضن أمي وأجهش بالبكاء!"

الخاتمة: لحظة لا تُنسى في تاريخ الطيران: ما إن أوقف الفنيون الطائرة بعيدًا عن الملجأ الأصلي حتى اكتشف فيصل أن الملجأ الذي أقلع منه قد تعرّض لقصف مباشر وتحول إلى حفرة ضخمة! وعندما سأل عن زميله النقيب حسن فليح الذي كان رقم 2 بعده في الإقلاع، جاءه الخبر الصادم:

"النقيب حسن أقلع بعدك... لكنه استُشهد في المعركة."

كانت هذه اللحظة من أصعب اللحظات في حياة الطيار فيصل، لكنها تجسد روح التضحية والفداء التي ميّزت الطيارين العراقيين في تلك الحرب.

كلمة أخيرة: تظل قصة الطيار فيصل طه محمد واحدة من أعظم لحظات البسالة والإقدام في تاريخ الطيران العراقي، حيث واجه المستحيل وانتصر رغم كل التحديات. إنها شهادة على شجاعة الطيارين العراقيين الذين سطّروا ملاحم بطولية في أصعب الأوقات.

أسئلة شائعة (FAQs)

تدور القصة حول طيار عراقي شجاع قاد طائرة ميغ-23ML في مهمة مفاجئة خلال يناير 1991. رغم تفوق طائرات العدو التكنولوجي، واجه التحديات بشجاعة وتمكن من تنفيذ مهمته بنجاح.
بسبب الفارق التقني الكبير بين جيل الطائرة وقدرات الطائرات المعادية التي كانت تتمتع بإلكترونيات وأسلحة متطورة، ما جعلها في موقف صعب أمام العدو.
أكثر لحظة مؤثرة هي فقدان زميل الطيار حسن فليح خلال العملية، حيث بقيت ذكراه محفورة في وجدان الطيار الناجي، إلى جانب لحظة عودته لأحضان عائلته بعد نجاته.
تم الإقلاع من قاعدة سعد الجوية، ثم تم نقل الطائرات لاحقًا إلى قاعدة البكر كجزء من خطة دفاعية لمواجهة الهجمات المحتملة.
بعد عودته، زار عائلته واحتضن والدته، حيث لم يتمالك دموعه وأخبرها بأنه "وُلد من جديد" بعد نجاته من المعركة الصعبة.
القصة تعكس شجاعة الطيارين العراقيين وإصرارهم على أداء واجبهم رغم المخاطر، كما تسلط الضوء على أهمية الروابط العائلية وتأثيرها العاطفي في أصعب اللحظات.
google-playkhamsatmostaqltradent